mohamed-a عضو فضي
عدد الرسائل : 203 العمر : 65 Localisation : syria تاريخ التسجيل : 02/02/2007
بطاقة الشخصية شهيد مجيد: 100%100
| موضوع: جذور اللغة العربية-3 الجمعة مارس 09, 2007 4:52 am | |
| جذور اللغة العربية-3
إتساع دائرة اللغة العربية الموحدة
بناءً لما قاله الأستاذ المرحوم جرجي زيدان: (ان اللغة كائن حي نام، خاضع لناموس الأرتقاء) أو لنواميس الحياة من نمو وهرم. إذن فلا محالة من مرور أية لغة بأدوار من التغيير والتجديد والتنوع والأقتباس والأهمال، وهذا ما حصل واتضح جلياً في تاريخ اللغة العربية بدلالة إهمال وإبطال آلاف الألفاظ العربية مع اشتقاق واستحداث واستعارة المفردات التي تتناسب والتطور الزمني كما هو الحال في العصر الأسلامي الذي حتم تولد الألفاظ الجديدة في الشرع والفقه والعلوم اللغوية. ورغم كل هذا التغيير فأنه ظلت هناك من الكلمات التي لا زالت محافظة على معناها القديم، والقسم الآخر منها اختلف معنى استعماله وبقي محافظاً على الشكل اللغوي واللفظي. ومن تلك المفردات نورد من يلي: الذهب وكان يستعمل بمعنى المكيال، الحلاوة أو الحلاة وتعني الأرض التي تنبت ذكور البقل، والقاعة وتعني موضع انتهاء الدلو، والحُقبَة وتعني سكون الريح. هذا بالإضافة إلى نقل مفهوم الكلمة من معناها الحسي إلى المعنوي وعُرفت هذه العملية بالتصعيد، أي اقتران اللفظة بمعنى آخر كلفظة (العقل) تُقرن بحبل الشعر الذي كانت تربط به رجل الحصان، ولفظة (المجد) بامتلاء بطن الدابة.
كما وكان لانبثاق الدعوة المحمدية وانتشار الأسلام عاملاً مساعداً لرقي اللغة العربية وانتشالها من صراع اللهجات وذلك من خلال توحيد القبائل العربية المتخاصمة والأقدام على إنشاء الدولة العربية انطلاقاً من مفاهيم النصوص القرآنية الصريحة كقوله تعالى (كنتم خير امة أخرجت للناس)، وقوله (وكذلك أنزلناه حكماً عربياً)، ودعوته لتوحيد اللغة العربية كقوله تعالى (إنَّا أنزلناه قرآناً عربياً) وقوله: (وما أرسلنا من رسول إلاَّ بلسان قومه)، واحترامه للمؤمنين بالله من أهل الكتاب، أي اليهود والمسيحيين، انطلاقاً من قوله تعالى في سورة المائدة (ولِتَجِدَّنَ أقرَبَهم مودَّة للذين آمنوا الذين قالوا إنَّا نصارى، ذلك بأنَّ منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون). وكذلك ما جاء في سورة العنكبوت قوله: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم. وقولوا آمَنَّا بالذي أنزلَ إلينا وأنزلَ إليكم، وإلهُنا وألهُكم واحد، ونحن له مسلمون).
وبما أن الرسول محمد (571 ـ 632 ) كان قد ولد في قبيلة قريش وترعرع فيها، فلا شك والحالة هذه ان تكون لغته قد اتصفت بغربية قريش التي استحوذت على اللهجات الأخرى، وفرضت نفسها فيما بعد من خلال الآيات القرآنية التي أدت إلى حفظها وتوسيع دائرتها على أوسع نطاق بإجتيازها حدود الأصقاع النائية، ومما زاد من حدتها وعلو شأنها نصوص ومضامين الأحاديث الشريفة بإدخال ألفاظ وتعابير جديدة مضافة للمصدرين الأساسيين المتمثلين بالأدب الجاهلي والقرآن. كما وينبغي أن لا يُخفى علينا تأثيرات الفتوحات الأسلامية واحتكاك العرب بالشعوب التي ورثت حضارات الأمم القديمة من أجناس مختلفة بأنعكاس ثقافاتها وآدابها على اللغة العربية كالفقه الروماني والحكمة اليونانية والتراجم السريانية والمآثر الفارسية وكذلك من الهندية والتركية والأفرنجية وغيرها التي تبدو واضحة في القاموس العربي.
ان هذه المُزاوجة اللغوية لا تدل على عدم نقاوة واصالة اللغة العربية بقدر ما تدل على مرونتها وقدرتها للأقدام على مواكبة مسيرة تطور العصور التي مرت بها والتي حتمت عليها بسط نفوذها على العالم العربي ليتحدث بها أكثر من مائتي مليون عربي ولتكون على المستوى العالمي كلغة ثانية لحوالي ثلاثين مليون نسمة، والأعتراف بها كلغة عالمية في الأمم المتحدة ومنظماتها، متبوءة المكانة الخامسة بين أهم اللغات الأكثر استعمالاً، وبين مجموع لغات العالم التي تقدر بحوالي 5000 لغة لأكثر من خمسة مليارات من سكان العالم.
العامية صدى للفصحى
رغم تواجد اللغة العربية المُوَحَّدة منذ فرض سيطرتها على اللغات السامية الأخرى المُتواجدة في المنطقة قديماً وحديثاً فأن قوتها لم تُثني وتصهر أو تجتث جذور اللهجات المحلية لكل بلد عربي والتي تُعرف اليوم بالعامية أو المحكية أو الدارجة ، وما فتأت تسيطر على عقول السواد الأعظم من الشعب العربي في الأصقاع التي نشأت فيها. وإذا ما انتابنا الأستغراب من هذه الديمومة اللهجية ، فلا محالة من تواجد بواعث لا تقل شأناً عن مواصفات سريان الفصحى كلغة رسمية. لذا فأن العامية والحالة هذه بالأمكان اعتبارها لغة قائمة بذاتها طالما تتوافر فيها الظواهر اللغوية المتمثلة بالنظام الصوتي ( Phonetics) والتشكيل الصوتي ( Phonology) والصرفي أي بنية الكلمة ( Morphology) والنحوي أي نظام الجملة ( Syntax) ودلالة الألفاظ أي المعاني (Semantics) والتي هي تلك العناصر الأساسية التي تُكَوِّن اللهجة وهي الصوت، الكلمة، الجملة والمعنى ، ويخضع كل عنصر منها لمنهج علمي مستقل. وعادة ما تكون هذه الظواهر مقاربة ومشابهة إلى حد ما واللغة الأم، وبشكل خاص في معاني مفرداتها التي تشوبها بعض الأختلافات الصوتية في عملية النطق أو اللفظ. وهذا ما تؤكده الشواهد اللغوية والتاريخية في لهجات القبائل العربية التي كانت ولا زالت متواجدة في منطقة شبه الجزيرة العربية لكون اللهجة العامية ظاهرة اجتماعية تتأثر بظروف البيئة الطبيعية ونظم المجتمع وبما تحيطه وتكتنفه من العادات والتقاليد والأعراف والعلاقات المختلفة ودليل ذلك تفاوت لهجات القبائل العربية رغم تواجدها في مناطق متقاربة أو متباعدة من بعضها في مواقع سكناها. ومما يزيد من حدَّة ذلك التفاوت اللهجي يرتبط عادة بالتواجد السكاني والمعيشي القريب من حياة المدينة والحضارة أو بعيداً عن محاكاة حياة البداوة ، وهذا ما نألفه اليوم في كافة الدول العربية حيث نلمس الفرق واضحاً بين لهجة سكان القرى والأرياف والمناطق النائية قياساً بلهجة المدن والعواصم الكبيرة، ومن الملاحظ أيضاً تواجد لهجات متفاوتة في مناطق التجمعات السكانية في المدن الكبيرة. بهذا فأنه ليس من المُستَبعَد من تسمية اللهجة بأسم موقعها الجغرافي أو المجموعة السكانية التي تنتمي لفخذ أو عشيرة ما. وهنا تتولد وتنبثق مفردات متفاوتة في تشكيلها الصوتي وبُنية تركيبها أو في تباين مقاصد معانيها رغم لفظها المشترك أحياناً، ولكي نؤكد هذه الحقيقة نورد مثلاً لما جاء في معظم المعاجم العربية بالأشارة إلى كلمة ( اصبع ) التي كُتبت بأساليب مختلفة ولُفظت بأصوات متفاوتة، وكلمة ( النَّحبُ ) التي تدل على معان عديدة وهل كالآتي:
( إِصبَع ، إِصبِع ، إِصبُع ، أَصبَع ، أَصبِع ، أَصبُع ، أُصبَع ، أُصبُع ، أُصبِع ، أُصبوع ) ( النَّحبُ وتُعني: صوت البكاء ، الطول ، القِمار ، السِّمَن ، النَّوم ، الموت ، الشدة ، النفس ، النَّذر ، والسر السريع ).
وقس على ذلك من مئات بل آلاف المفردات المتواجدة في بطون المعاجم وكتب اللغة والتراث، وإلى جانب ذلك تجد ثراء اللغة العربية ولهجاتها مُكتظَّة بزخم المفردات والنعوت التي لا مثيل لها في أية لغة من لغات العالم، حيث تدل على عشرات بل ومئات المفردات على معنىً واحد، أو معان متشابهة، إضافة لتعدد مدلول اللفظ الواحد ليرمز معان عديدة. نورد فيما يلي قائمة بما توصل إليه الباحثون اللغويون ودَوَّنوه للأجيال القادمة لكون أغلبها طواه النسيان ولم يعد مستعملاً في التعامل اليومي ولا حتى في التدوينات الأدبية والرسمية. فمثلاً للذهب أكثر من 20 اسماً ، والسنة 24 اسماً ، والظلام 52 اسماً ، والمطر 64 اسماً ، والعسل أكثر من 70 اسماً ، والماء 170 اسماً والناقة 255 اسماً والسيف ما لا يُعَدُّ. وما له علاقة بالجمل بلغ 5744 لفظة، وما له علاقة بالأسماء الحسنى ما لا يُعَدَّ أيضاً، واليد إذا توسخت نحو أربعين تعبيراً. إضافة لدلالة اللفظ الواحد على معان كثيرة ، فكلمة الخال تدل على 27 معنى ، وللعين 35 معنى وللفظ العجوز 60 معنى.
وإذا ما فرضنا جدلاً بأن هذه المترادفات والمدلولات زادت من التعقيد والتشابك اللغوي، فإنها من الجانب الآخر يَسَّرَت وأغنت الرصيد اللغوي في التعبير والتفسير والإيضاح وبما ترمز إليه لدلالة الجزئيات من الكل العام الذي تفتقر إليه أغلب لغات العالم ومنها التي تنتمي للأصول السامية، ناهيك عن أوجه مظاهر البلاغة في رونقة الكلام.
فإن كانت اللهجات قد أثرت وتأثرت باللغة الأم أو اللهجة الأوسع إنتشاراً ، فما هو الفرق إذن من أجه الاختلاف بين الفصحى والعامية؟
من البديهي أن نخلص إلى القول: بأن العامية قد تكون أقدم من الفصحى طالما تستوجب العملية غربلة مفردات اللهجة وشذبها من غرائب المفردات وبالتالي انتقاء واستبقاء شرعية ما يمكن اعتباره على حساب خزائن الفصحى كلغة للتوحيد أو كلغة مشتركة لشعب هو أساس مصدرها ودعامة وجودها وارتقائها إلى الصعيد العام. وليس بوسعنا هنا أن نستدرج آلاف الكلمات والصيغ التي تُحتَسَب عامية وهي فصيحة أو تقترب إلى الفصاحة.
إن اللهجات العامية والحالة هذه وفي أي بلد كان عربياً أو أجنبياً تُعتَبَر ظاهرة مشتركة بين كافة لغات تلك البلدان ، فالسويدية والأنكليزية مثلاً تتواجد فيها لهجات محلية في أجزاء مختلفة من مواقعها الجغرافية. كما ولا يُستَبعَد أيضاً من أن تؤدي اللهجة العامية المُشَذَّبة والمُنتقاة دور الأدب الحقيقي للشعب لكونه مستنبطاً من واقع الشعب ولعامة الشعب. وهذا ما حصل حينما أقدم الراهب والمفكر الألماني مارتن لوثر ( 1483 ـ 1546 ) في بداية القرن السادس عشر على ترجمة التوراة بلهجة هانوفر الألمانية التي فرضت سيطرتها على اللهجات الأخرى متبوأة مركز الصدارة ولتصبح بالتالي حدثاً دينياً وأدبياً وفكرياً، ولغة رسمية وأدبية مُتبناة في عموم ألمانيا. وكذلك الحال بالنسبة للغة السريانية الآشورية المعاصرة من اللهجة الشرقية والمعروفة في الأوساط الأدبية باسم الآثورية الحديثة، والتي بسطت نفوذها على ألسنة الشعب من جراء ترجمة التوراة والأنجيل إلى اللغة المحكية في أواخر القرن الثامن عشر تاركة وراءها أمهات الكتب النفيسة بتراثها اللغوي والأدبي والفكري لتكون منبعاً ثراً ومعيناً لا ينضب لأرواء ظمأ اللغة المستحدثة أو المعاصرة التي تكتب بألفاظها المألوفة لدى الغالبية العظمى من الشعب ولتصبح اليوم لغة الشعر والأدب والتعليم. وبالنسبة للهجات العربية فهي شكل من أشكال النشاط اللغوي وصدى للفصحى وبالعكس طالما تتخذ سلطة لغة الحياة اليومية، رغم افتقارها صفة التمثيل الرسمي في الشؤون الثقافية والحضارية والفكرية. إلا أنه ما زالت هناك من النشطات التي تثري وجود اللهجات المحكية، حيث تُفرد لها صفحات للتراث والشعر الشعبي والزجل المتعارف عليه في كافة أرجاء البلاد العربية ، كما ولا يُخفى علينا دور أجهزة الأعلام من نقل أحاديث وخطابات الرؤساء العرب المباشرة بلهجة القطر الذي ينتمون إليه علماً بأنهم الواجهة الناصعة للشعب والرمز المُعبر عن إرادته. وان وضعنا تفسيراً لذلك فلا محالة من أن نعزيه لجملة أسباب، ومن أهمها سهولة التعبير ، إيصال الفكرة بلغة عموم الشعب، وتفادي اشكالات قواعد النحو والصرف.
يتبع | |
|