mohamed-a عضو فضي
عدد الرسائل : 203 العمر : 65 Localisation : syria تاريخ التسجيل : 02/02/2007
بطاقة الشخصية شهيد مجيد: 100%100
| موضوع: جذور اللغة العربية-2 الجمعة مارس 09, 2007 4:50 am | |
| جذور اللغة العربية-2
لنعود ثانية الی صيغة تساؤلنا أعلاه ونستعرض أسباب فرض لغة الشمال سيطرتها علی لغة الجنوب، وذلك من خلال ما يلي:
١ هجرة قبائل الجنوب الی شمال الجزيرة بسبب كارثة سد مأرب. ٢ اختلاط اهل الجنوب بأهل الشمال وتقارب لغتهم بغية التفاهم والأنسجام. ٣ ارتياد أهل الجنوب مناطق الجزيرة الشمالية بغية التجارة. ٤ انهيار دولة الجنوب وتغلب اللغة العدنانية علی القحطانية.
فاذا كان التفاوت اللغوي واضحاً وجلياً بين لغتين منتميتين لأرومة واحدة، فكيف هو الحال لتفرعاتها أللهجوية؟! ان الأمر لا يدعنا الی الشك بهذه البديهة ما دُمنا نألفها ونعيشها يومياً في أحاديثنا العادية ومعنی ذلك تواجد صعوبات في فهم واستيعاب العديد من المفردات المُستَعملة والعبارات المقصودة في عملية التعبير
التفاوت اللغوي في اللهجات العربية
ولكي نكون على بينة من ذلك نعرض فيما يلي نماذج من الأمثلة الشائعة والمألوفة في بطون مدونات الأقدمين مُستلين إياها من لهجات القبائل وأشهرها في عملية الإبدال في حروف الكلمة والأحكام الأعرابية واللفظ.
1 ـ تقديم بعض أحرف الكلمة كما في (صاعقة) و (صاقعة) أو (ملعقة) و (معلقة).
2 ـ نصب خبر ليس لدى استعمال (ما) و (لا) في لغة الحجاز، ورفعه عند لغة تميم.
3 ـ الغمغمة: عدم تمييز حروف الكلمات وظهورها في أثناء الكلام.
4 ـ العنعنة: لفظ الهمزة إذا وقعت في أول الكلمة عيناً فيقال في (أمان) (عمان) وفي (أسلم) (عسلم)، وفي (آلة) (عال).
5 ـ الفحفحة: جعل الحاء عيناً، كقولهم: (علت الحياة لكل حي) بدلاً من (حلت الحياة لكل حي).
6 ـ الكشكشة: إبدال كاف الخطاب المؤنثة إلى شين مثل: (عليك : عليش، منك : منش، بك : بش) أو إضافة الشين بعد ضمير المخاطب المفرد مثل: (عليكش وبكَش بدلاً من عليَك وبك).
7 ـ الكسكسة: استخدام السين مع ضمير المؤنث بديلاً لحرف الكاف أو ملحقاً به مثل: (أخوك : أخوس، رأيتك : رأيتكس).
8 ـ الشنشنة: وهي جعل الكاف شيناً، كقولهم: (لبّيش بدلاً من لبّيك) ، (الديش بدلاً من الديك).
9 ـ العجعجة: وهي نتيجة اختلاط نطق الجيم بنطق حرف الياء ، أو جعل الياء المُشَدَّدة جيماً مثل: (تميمي : تميمج ، علي : علج) أو (الراعج خرج معج) بدلاً من (الراعي خرج معي).
10 ـ الطمطمانية: وعي إبدال لام التعريف ميماً أو نوناً ، كقولهم: (طاب امهواء أي الهواء) ، (مم بكر : من بكر) ، وما رُويَ عن قول الرسول : (ليس من امبر امصيام في السفر) ومعناه (ليس من البر الصيام في السفر). واللخلخانية كحذف بعض الأصوات مثل (مشاللّه).
11 ـ الوقف: تبديل حرف الياء بالواو كقولهم: (رجل (رَيل) أسوان) بدلاً من (رجُل أسيان) من الأسى، أو كما هو الحال اليوم في بعض دول الخليج بإبدال الجيم إلى ياء كقولهم: (رَيّال ودياية) بدلاً من (رجّال ودجاجة). ومثيلها ما يُسمى بالأستنطاء وهي أن يقولوا (انطى) بدلاً من (اعطى) ، وكما هو متعارف عليه في اللهجة العامية العراقية. أو الوتم أي قلب السين تاءً كقولهم: (النات : الناس) ، (ختيت) بدلاً من (خسيس).
12 ـ اتساع المنحى اللغوي اللفظي كوسيلة للتعبير على المنحى النحوي في لغة اليمن.
13 ـ اختلافات لا حصر لها في النحو أي أحوال الألفاظ عند دخولها في التركيب ، والصرف أي عند تحويل الكلمة إلى صور مختلفة على ضوء الأوزان وبحسب المعنى المقصود ، سواءً في تبديل موقع الحركات أو التسكين والجمع وحذف بعض الحروف وغير ذلك. كقولهم وعلى التوالي (لِعِب) بدلاً من (لَعِبَ) ، (مَع الرَّجل) بدلاً من (مَعَ الرَّجُلِ) ، وجمع (طريق : أطرِقاء) بدلاً من (طُرُق) قياساً على وزن (صديق : أصدقاء) أي (أفعلاء) ، وكسر أول الفعل المضارع الذي كان شائعاً بين القبائل باستثناء قريش وأسد ، أو استعمال الذال للموصول بدلاً من (الذي) فيقولون: (فلان ذو سمعت عنه) بدلاً من (فلان الذي سمعت عنه).
14 ـ احتواء اللغات واللهجات على نسبة عالية من المفردات الثقيلة اللفظ والتي قلَّما تجد لها ذكراً في لغة القرآن مثل: (الكخب : الحصرم ، الحوبجة : الورم ، الشّخاب : اللبن ، الشّبَص : الخشونة ، الخمج : الفتور ، الخَنطَثَة : التبختر ، القصقص : ضرب من البقل ، الضال الأشكل : السِّدر الجبلي ، صرت هذا الأمر : إذا ملت إليه ، شَنَجَ على عَنَج : شيخ على بعير ، أتاني حساب من الناس : أي جماعة كثيرة ، هَلضَ الشئ : إنتزعه ، اللصت : اللص ، المرحاض أو المخفاج : خشبة صغيرة تضرب بها المرأة الثوب إذا غسلته، الخرديق : طعام شبيه بالحساء ، الأحريض : صبغ أحمر ، السُّعوط : الأستنشاق ، ثَحَجَهُ برجله : ضربه بها ، دَهدَهتُ الشئ وهَدهَدته : حدرته من علوّ إلى أسفل، فوما : الخبز ، فوموا لنا ، اختبزوا لنا ، قَبّحَ الله كُرشمته : (أي وجهه).
وما إلى ذلك من الكلمات الغريبة معنىً ولفظاً. واذا ما قرأنا قطعة نثرية أو سمعنا حديثاً صيغ بأمثال هذه الكلمات نكون حتماً أمام لغة غريبة علينا، كما هو الحال لأبي زيد الأنصاري أحد فطاحل أئمة اللغة الذي لَفَّته الحيرة وساوره الأستغراب من لغة ذلك الأعرابي الذي قال:
(...... إني امرؤ من هذا الملطاط الشرقي ، المواصي أسياف تهامه، عكفت علينا سنون محش ، فاجتبت الذري ، وهشمت العري ، وجمشت النجم، وأعجبت البهم، وهمت الشحم، والتحبت اللحم، وأحجنت العظم، وغادرت التراب مورا، والماء غورا، والناس أوزاعا، والنبط قعاعا، والضهيل جراعا، والمقام جعجاعا، يصبحنا الهاوي، ويطرقنا العاوي، فخرجت لا أتلفع بوصيده، ولا أتقوت بمهيده، فالبخصات وقعه، والركبات زلعه، والأطراف فقعه، والجسم مسلهم، والنظر مدرهم، أعشوا فأغطش، وأضحى فأخفش، اسهل ظالعاً، واحزن راكعاً، فهل من أمر بمير، أو داع بخير، وقاكم الله سطوة القادر، وملكة الكاهر، وسوء الموارد، وفضوح المصادر....)
قال أبو زيد أعطيت الأعرابي ديناراً وكتبت كلامه واستفسرت منه ما لم أعرفه. فإذا كان قد استصعب الأمر على مثل الأنصاري كفطحل في اللغة ، فكيف يكون الأمر على عامة الناس الذين ينضوون تحت قبائل متفاوتة ويتشعبون إلى بطون عديدة ؟! وهنا ليس بالغريب أن ينفي اللغوي البصري أبو عمرو بن العلاء (المتوفي 770 م) غرابة وصعوبة تلك المفردات اللغوية بقوله: (ليست لغة حَميَر بلغتنا ولا عربيتهم بعربيتنا).
بالرغم من اتساع رقعة لهجات القبائل والتزام كل قبيلة بما وقفت عليه وآلت إليه، ورغم تفاوتها واستعصاء فهمها وادراكها، فانه لم تكن حاجزاً ومانعاً في طريق خلق لغة مشتركة، حيث أن اتساع رقعة لهجة أو لغة ما بما تتميز به من المرونة والسهولة والسلاسة والفاعلية تكون دافعاً لتوليد لغة مشتركة ومُوَحَّدة وبالتالي وُوَحَّدة للناطقين بها. وهذا ما حصل في اللغة العربية من خلال لهجة قريش التي كان لها القدح المُعَّلى بين كافة اللهجات وذلك للأسباب التالية:
1 ـ أهمية الموقع الجغرافي لقبيلة قريش وما تمتعت به من شرف وسؤدد وثراء حيث كانت قبلة زيارة العرب.
2 ـ دور أسواق المناسبات التي غلبت عليها لهجة قريش لكونها أهم الأسواق واشهرها مثل سوق عكاظ ومجنَّة وذو المجاز في ضواحي مكة.
3 ـ توافد الناس من مختلف نواحي الجزيرة على تلك الأسواق لشؤون تجارية وأدبية وقضائية وغيرها.
4 ـ تمتع لهجة قريش بصفة الأكثر قرابة للفصاحة والشمولية، وأقل اللهجات عيوباً وهفوات.
5 ـ دور لغة الحضارات الأخرى ودياناتها على تطعيم لهجة قريش بما ينقصها ويزيد من شأنها وذلك من خلال التبادل التجاري وعلى وجه الخصوص مصر والشام والفرس والروم والهند.
6 ـ اعتلاء راية قريش الشعرية ، ورفرفتها في أجواء الأصقاع الأخرى من البلاد ، حيث حمل الشعر سحنة وافرة من لهجة قريش فاشتهر جماعة بروايته ومعرفة الأنساب كمخرمة بن نوفل وحويطب العزي.
7 ـ استعارة الكثير من المفردات والتسميات من النصرانية والعبرانية اللتين كانتا معروفتين في تلك الأرجاء.
ولتأكيد ما جاء أعلاه ذكر الجاحظ في الجزء الثالث من البيان والتبيين ما يلي: ( سأل معاوية يوماً: من أفصح الناس ؟ فقال قائل: قوم ارتفعوا من لخلخانية الفرات وتيامنوا عن كشكشة تميم وتياسروا عن كسكسة بكر ، ليست لهم غمغمة قضاعة ولا طمطمانية حِميَر . قال من هم ؟ قال: قريش).
كما ويؤكد هذا الرأي الكاتب الشهير جرجي زيدان في معظم مؤلفاته ومما ذكره في الجزء الأول من كتابه تاريخ آداب اللغة العربية نقتطف من يلي: ( اللسان المبين كان يتكلمه عرب الشمال وهم قبائل كثيرة ، وبينها فروق في معاني الألفاظ ونطقها وفي أساليب التركيب. ولكن الإسلام ذهب بها جميعاً إلا لغة قريش (لغة القرآن ) وما اختاره علماء اللغة من ألفاظ القبائل الأخرى ، ولم يبقى من لغات هذه القبائل الى الآن إلا أمثلة ذكرها علماء اللغة عرضاً من باب العيوب). وقد سبق لنا واستعرضنا بعضاً من المفارقات والأختلافات باختلاف أصول القبائل ومواطنها وما يجاورها من غير العرب.
على ضوء هذه الأسباب وغيرها يرجح الباحثون وعلماء اللغة المُوَحِّدة من منابع لهجة قريش ، والتي بدورها فرضت نفسها على أئمة الشعر ليقرضوا أروع الشعر وأعذبه في أغراض شتى وعلى وجه الخصوص في الفترة التي عرفت بالجاهلية مُتَوَّجة بالمعلقات السبع أو العشر وكتابتها فيما بعد بماء الذهب وتعليقها على جدار الكعبة بأسماء أصحابها وهم امرؤ القيس ، طرفة بن العبد ، عبيد بن الأبرص ، الحرث بن حلزة ، عمرو بن كلثوم ، النابغة الذبياني ، زهير بن أبي سلمى ، عنترة العبسي ، الأعشى الأكبر ولبيد بن ربيعة. كان الشعر في تلك الحقبة (532 ـ 622 ) بمثابة وسيلة الأعلام اليومية لسهولة حفظه وروايته ، وباعتماده كمصدر لغوي ، إضافة لأحتوائه سير الأحداث والوقائع التاريخية وحفظ وتخليد مآثر المناسبات ، حيث كان ولا يزال ينفذ إلى أعماق القلب والنفس والكيان ويحرك العاطفة والخيال بموسيقاه وجزالة ألفاظه التي صيغت في قوالب الوزن والإيقاع فاستساغها الغالبية العظمى من العرب وغيرهم ، وليس لنا هنا إلا أن نستشهد بقول أحد المستشرقين (بروكلمن) الذي مفاده: ( تمتاز لغة الشعر العربي بثروة واسعة في الصور النحوية ، وتُعَدُّ أرقى اللغات السامية تطوراً من حيث تركيبات الجمل ودقة التعبير ، أما المفردات فهي غنية غنى يسترعى الانتباه ، ولا بدع فهي نهر تَصُب فيه الجداول من شتى القبائل).
يتبع | |
|