بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله والبركاته
حسن الخلق
شأن الأخلاق عظيم، وإن منـزلتها لعالية في شرع رب العالمين، فالخلق من الدين، وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً، وأحسنهم أخلاقاً: أقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم مجلساً.
ولقد تظاهرت نصوص الشرع في الحديث عن الأخلاق فحثت وحضت ورغبت في محاسنها، وحذرت ونفرت ورهبت من سيئها، بل إن الرسول بيّن أن الغاية من بعثته: إنما هي إتمام صالح الأخلاق، فقال : «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق»أخرجه أحمد والحاكم وصحة ووافقه الذهبي . والناس على اختلاف مشاربهم يحبون محاسن الأخلاق ويألفون أهلها ويبغضون مساوئ الأخلاق وينفرون من أهلها. وحسن الخلق له فضائل عظيمة في الدنيا والآخرة، فمن ذلك:
1- أنه امتثال لأمر الله عز وجل، قال تعالى [خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين]، وهو طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الذي رواه أحمد والترمذي: «وخالق الناس بخلق حسن»
2- وهو رفعة في الدرجات، قال صلى الله عليه وسلم:«إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم». رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وقال صلى الله عليه وسلم :«أعظم ما يُدخل الناس الجنة : تقوى الله وحسن الخلق» أخرجه الترمذي وصححه. . وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم :«ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق» أخرجه الترمذي وصححه.
3- ومن فوائد حسن الخلق : كسب القلوب: فهو يحبب صاحبه للبعيد والقريب، وبه ينقلب العدو صديقاً، ويصبح البغيض حبيباً، ويصير البعيد قريباً، وبحسن الخلق يتقرب المرء للناس، وبه يتمكن من إرضائهم على اختلاف مشاربهم وطبقاتهم. وحسن الخلق مدعاة للذكر الحسن، فإن الألسنة تلهج بذكر أهل الخلق الحسن، والتاريخ يسطر مآثرهم ، والركبان تسير بأخبارهم.
4- السلامة من شر الخلق: لأن صاحب الخلق الحسن لا يقابل الإساءة بالإساءة، بل يعفو يصفح ويعرض، بل ربما قابل الإساءة بالإحسان، ولو جارى الناس في سفههم لما كان له فضل عليهم، ولما سلم من أذاهم فلو لم يأت من حسن الخلق إلا هذه الفائدة لكان حرياً بالعاقل أن يتحلى به.
5- صاحب الخلق الحسن في راحة بال، وطيب عيش، ونعيم عاجل، فإن قلبه مطمئن ونفسه زاكية، كما أن صاحب الخلق السيء في شقاء حاضر وعذاب مستمر ونزاع ظاهري وباطني مع نفسه وأولاده ومخالطيه، مما يشوش عليه حياته ويكدر أوقاته، مع ما يترتب على ذلك من فوات الآثار الطيبة والتعرض لضدها. وإليك شيئاً من كلام الحكماء في فضل الأدب وحسن الخلق: يقولون : من قعد به حسبه نهض به أدبه. ويقولون: من كثر أدبه شرف وإن كان وضيعاً، وساد وإن كان غريباً ، وكثرت الحاجة إليه وإن كان فقيراً. ومن أقوالهم : من لم يعرف الخير من الشر فالحقه بالبهائم. وقال بعضهم : ما ورثت الآباء الأبناء شيئاً أفضل من الأدب، إنها إذا ورثتها الآداب: كسبت بالآداب الأموال والجاه والإخوان، والدين والدنيا والآخرة، وإذا ورثتها الأموال: تلفت الأموال، وقعدت عدماً من الأموال والأدب. أما سوء الخلق فهو عمل مرذول ، ومسلك دنيء يمقته الله عز وجل، ويبغضه الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث :«وإن أبغضكم إليّ، وأبعدكم مني في الآخرة أسؤوكم أخلاقا» أخرجه أحمد وابن حبان. وسوء الخلق يأخذ مظاهر عديدة، ويبرز في صور شتى ، اكتفي بذكر عشر منها:
1- الغلظة والفظاظة: فنجد من الناس من هو فظ غليظ ، لا يتراخى ولا يتألف لا يتكلم إلا بالعبارات النابية القاسية التي تحمل في طياتها الخشونة والشدة، والغلظة والقسوة، وصدق الله إذ يقول: [ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك]. وقد يصاحب ذلك عبوس الوجه وتقطيب الجبين، فبعضهم لا تراه إلا عابس الوجه مقطب الجبين ، لا يعرف التبسم واللباقة، ولا يوفق للبشر والطلاقة، بل إنه ينظر الى الناس شزراً ، ويرمقهم غيظاً وحنقاً، لا لذنب ارتكبوه