والإخلاص أساسه شكر النعمة وجوهرة الإعتراف بظلم النفس وحقيقة التوجه إلي الله ليعبده عن القوم الظالمين ففي قوله تعاالي:-
"هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "غافر65هو الله سبحانه الحي الذي له الحياة الكاملة التامة لا إله غيره, فاسألوه واصرفوا عبادتكم له وحده, مخلصين له دينكم وطاعتكم. فالحمد لله والثناء الكامل له رب الخلائق أجمعين.
فأمرهم الله تعالي بكل الإخلاص له جل في عُلاه مائلين عن أي باطل لأن دين القيمة هو أساس الحياة في قوله تعالي:-
"وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ "البينة5
وما أمروا في سائر الشرائع إلا ليعبدوا الله وحده قاصدين بعبادتهم وجهه, مائلين عن الشرك إلى الإيمان, ويقيموا الصلاة، ويُؤَدُّوا الزكاة, وذلك هو دين الاستقامة, وهو الإسلام.
فإن الله تبارك وتعالي يعلم كل ما في الصدور أي يعلم الباطن قبل الظاهر
قال النبي صلي الله عليه وسلم:-
إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن إنما ينظر إلى أعمالكم وقلوبكم
وفي قوله وتعالي:-
"قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه اللَّه"آل عمران29
قل -أيها النبي- للمؤمنين: إن تكتموا ما استقر في قلوبكم من ممالاة الكافرين ونصرتهم أم تظهروا ذلك لا يَخْفَ على الله منه شيء, فإنَّ علمه محيط بكل ما في السماوات وما في الأرض, وله القدرة التامة على كل شيء.
وأنه ليس للعباد حق واجب على الله وأنه مهما يكن من حق فهو الذي أحقه وأوجبه ولذلك لا يضيع عنده عمل قام على الإخلاص والمتابعة للنبي صلى الله
عليه وسلم فإنهما الشرطان الأساسيان لقبول الأعمال فما أصاب العباد من النعم ودفع النقم فإنه من الله تعالى فضلاً منه وكرماً وإن نعًمهم فبفضله وإحسانه وإن عذبهم فبعدله وحكمته وهو المحمود على جميع ذلك .
ـ وعن أبي الدَّرْدَاءَ (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "قـــــد أفلـــــح مـــــن أخلـــــص قلبـــــه للإيمـــــان، وجعـــــل قلبـــــه سليمًـــــا، ولسانــــــه صادقًــــــا، ونفســــــه مطمئنــــــةَ مستقيمة" .
ـ وعن أُبَيِّ بن كعب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
(بشــر هــذه الأمة بالسنــا والديــن والرفعــة والتمكيــن فــي الــأرض، فمــن عمــل منهــم عمــل الآخــرة للدنيــا فليس له في الآخرة من نصيب، قـال رجـل: "يـا رسـول اللـه، إنــي أقــف الموقــف أُريــد وجــهَ اللــه، وأريــد أن تــرى موطنــي، فلــم يــرد عليــه رسـول اللـه (صلـى اللـه عليــه وآلــه وسلــم) شيئــاً حتــى نزلــت : )فَمَــنْ كــانَ يَرْجُــو لِقــاءَ رَبِّــهِ فَلْيَعْمَــل عَمَــلًا صالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا( .
ـ وعن كعب بن مالك عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "من ابتغى العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو تُقبل أفئدة الناس إليه ـ فإلى النار" .
وعن محمود بن لَبِيد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "إن أخـــوف مـــا أخـــاف عليكـــم الشـــرك الأصغـــر" قالـــوا: "ومـــا الشـــرك الأصغـــر يـــا رســـول اللـــه؟" قــــال: "الريــاء" يقــول اللــهُ (عــزّ وجــلّ): )إذا جــزى النــاس بأعمالهــم: اذهبــوا إلــى الذيــن كنتـــم تـــراؤون فـــي الدنيـــا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاءًا؟!(
وقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم الرياء بالشرك الأصغر، فالرياء ليس كفرا منقلا عن الملة لكن ذنبه عظيم لذلك شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشرك الأصغر.
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها ؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في
ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار
ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها ؟ قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار . رواه مسلم .
فالعاقل الفطن هو الذي يخلص النية لله تبارك وتعالى لأنّ الناس لا ينفعوه بشيء اذا راءى لهم بل هو الخاسر يوم لقيامة.
فالمخلصين لله تعالي فهم عباد الرحمن واصطفي منهم أيضاً المخلـَصين الذين خلـَصهم من كل الشوائب أي اختصهم جل في عُلاه برحمته كالأنبياء وغيرهم ذكرهم الله تعالي في أكثر من موضع في القرآن الكريم ففي قوله تعالي:-
"إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ "الصافات40
إلا عباد الله تعالى الذين أخلصوا له في عبادته, فأخلصهم واختصهم برحمته؛ فإنهم ناجون من العذاب الأليم.
عندما ذكر في سورة يوسف وصفه من عباده المخلـَصين وجعل الاخلاص سبباً لصرف السوء والفحشاء في قوله تعالي:-
".......ِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ "يوسف24
أي لندفع عنه السوء والفاحشة في جميع أموره, إنه من عبادنا المطهرين
المصطفَين للرسالة الذين أخلصوا في عبادتهم لله وتوحيده.
وعن أبي الدَّرْدَاءَ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إن الإبقــاء علــى العمــل أشــدُّ مــن العمــل، وإن الرجــل ليعمــل العمــل فيكتــب لــهُ صالــحٌ معمـــولٌ بـــه فـــي السـر يُضْعِـفُ أجـره سبعيـن ضعفـاً؛ فـلا يـزال بـه الشيطــان حتــى يذكــره للنــاس ويعلنــه، فيكتــب علانيــة؛ فيمحــى بضعــف أجــره كُلــه؛ ثــم لا يــزال بــه الشيطــان حتــى يذكـــره للنـــاس الثانيـــة، ويحـــب أن يذكـــر بـــه ويحمد عليه، فيمحى من العلانية؛ ويكتب رياءً، فاتقى الله امرؤٌ صان دينهُ وإنّ الرياء شركٌ"