بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله والبركاته
أمهات المؤمنين
زينب بنت جحش رضي الله عنها
بقلم/ أ.جاسم محمد المطوع
الوقفات الأسرية مع زينب بنت جحش رضي الله عنها
1-كسر العادات والتقاليد:
-دكتاتورية الأعراف والهنديات الثلاث.
-كيف تغير العادة السيئة؟
-هل ستصبح عاداتنا غربية؟
-كيف نربي أبناءنا على العادات الحسنة؟
السيرة الذاتية
-أم المؤمنين زينب بنت جحش بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، وأمها أميمة بنت المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-كان اسمها بّرة فلما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها ( زينب).
-خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمولاه زيد بن حارثة ثم طلقها فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-كانت زينب صادقة الإيمان تقية وقالت عنها ضرتها عائشة رضي الله عنها: لم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشدّ ابتذالاً لنفسها في العمل الذي يُتصدق به ويتقرب به إلى الله عز وجل.
-قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسرعكنّ لحاقاً بي أطولكن يداً.
-توفيت سنة عشرين وعمرها 53 سنة، وصلى عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
-هي أول من مات من نساء النبي صلى الله عليه وسلم.
كسر العادات والتقاليد
•من أين استخرجنا هذا المفهوم
إن المتأمل في قصة زواج زينب من زيد بن حارثة ثم طلاقها منه وزواج النبي محمد صلى الله عليه وسلم منها يرى أن هذا الحدث الاجتماعي كان الهدف منه أمرين: الأول: كسر العادات والتقاليد المخالفة للدين.
والثاني: إلغاء نظام التبني في الإسلام، وأريد أن أعرض القصة باختصار شديد حتى يتلمس القارئ معي هذه النتيجة.
زيد بن حارثة
كان زيد عبداً رقيقاً اشتراه حكيم بن حزام فأهداه لخديجة- رضي الله عنها- ثم أهدته للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فسمع به أبوه وعمه فأتيا مكة قبل البعثة وطلبا ابنهما زيداً من النبي صلى الله عليه وسلم وعرضوا عليه المال لأخذه، فأشار عليهم النبي بأن يخيّروه فوافقوا على ذلك، فلما خيرّوه اختار زيد أن يبقى مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فغضب أبوه لأنه اختار العبودية على الحرية، فذهب به النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة وقال: إني أشهدكم بأن زيداً ابني، وأصبح يدعى زيد بن محمد .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه كثيراً، حتى قالت عائشة- رضي الله عنها- : لو كان حياً لاستخلفه النبي بعده.
خطبة زيد لزينب
خطب النبي محمد صلى الله عليه وسلم لزيد ابنة عمه زينب، فلما سمعت زينب بالخطبة رفضتها، وقالت: لا أتزوج أبداً، وأنا سيدة عبد شمس وأخذتها الأفكار المتصارعة، فكيف تتزوج مولى وهي ذات حسب ونصيب وشرف، فهي أصيلة وقرشية وحسيبة وابنة عم النبي وزينة نساء قريش، وتتزوج من مولى اشترته خديجة وأهدته للنبي صلى الله عليه وسلم الذي أعتقد ومن عليه بشرف الانتساب إليه، وكذلك كان موقف أخيها عبدالله، فإنه رأى في هذا الزواج عاراً.
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: بل فانكحيه، فإني قد رضيته لك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يكسر العادة الشائعة ( أن الأصيل لا يتزوج إلا أصيلة)، واختار حبه زيداً وابنة عمه زينب، لكسر هذه العادة عند العرب.
وقبل أن تجيب زينب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل الله تعالى: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم). [ الأحزاب/ 36].
وبعدما نزلت الآية قالت زينب وأخوها: رضينا يا رسول الله، وساق زيد إلى بني جحش عشرة دنانير وستين درهماً، ودرعاً وخماراً وملحفة وأزراداً وخمسين مُداً من الطعام وعشرة أمداد من التمر، أعطاه ذلك كله الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.
عدم الوفاق بينهما
لم يكن زيد جميل الصورة فلم ينشرح له قلب زينب، وبدأت تتعالى عليه في النسب والحرية، وشعر منها بأنه زهدت فيه وهو قد تربى على الكرامة والأنفة في كنف الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، فآلمه ما تفعل به، واشتكى إلى رسول الله أكثر من مرة بأن زينب تتعاظم عليه بشرفها، وأن فيها كبراً، وتؤذيه بلسانها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم دائماً يردد عليه: ( أمسك عليك زوجك). [ الأحزاب/ 37].
ويأتيه مرة أخرى ليشتكي منها ويطلب الطلاق والتفريق والنبي يردد عليه: ( أمسك عليك زوجك).
وكان النبي يريد من ذلك كسر العادة عند العرب، وأن يبقى زيد مع زينب ثم يطلقهما فيتزوج النبي زينب وبذلك تنكسر عادة أخرى بأنه تزوج زوجة ابنه، فيلغي نظام التبني، ومع هذا كان يخشى الناس.
ثم سمح له بالطلاق وأنزل الله تعالى: ( لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً).[ الأحزاب/37]. ونزلت بعد زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب.
زواج النبي من زينب
وجد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه حرجاً من الزواج منها، فأنزل الله تعالى قوله: ( ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له، سنة الله في الذين خلوا من قبل، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله، وكفى بالله حسيباً) [ الأحزاب/ 38-39].
ثم إن الله تعالى زوجها رسوله صلى الله عليه وسلم من السماء، قال تعالى: ( فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها). [ الأحزاب/ 37].
فلما انتهت عدة زينب قال النبي صلى الله عليه وسلم لزيد اذهب إلى زينب واذكرني عندها، وكان زواج النبي صلى الله عليه وسلم منها من غير وليّ ولا شاهد لأن الله تعالى هو الذي زوجها منه، وكانت زينب تفخر على أمهات المؤمنين: زوجكّن أهاليكّن وزوجني الله من فوق سبع سماوات.
قال تعالى: ( فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها ). [ الأحزاب/ 37].
ويذكر أنه لما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم تكلم المنافقون فقالوا: حرّم محمد نساء الولد، وقد تزوج امرأة ابنه، فأنزل الله تعالى: ( ما كان محمدُ أبا أحد من رجالكم).
وقال: ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله).. فدعى يومئذ زيد بن حارثة.
الخلاصة
لعلك لاحظت أيها القارئ العزيز معي كيف هي المعاناة في تغيير أعراف المجتمعات، ونحن نقرأ هذه القصة في دقائق بينما هي في الواقع أيام وأشهر كلها معاناة:
1-معاناة النبي صلى الله عليه وسلم في إقناع زينب بالزواج من زيد.
2-معاناة زيد مع زينب في البيت.
3-معاناة أهل زينب عندما تزوجت.
4-معاناة الجميع في مواجهة ضغط المجتمع.
5-معاناة الطلاق وفشل الزواج.
6-معاناة النبي صلى الله عليه وسلم في التطليق بين الطرفين.
7-معاناة النبي صلى الله عليه وسلم في الزواج من زوجة متبناه.
8-معاناة النبي صلى الله عليه وسلم في إلغاء نظام التبني ومواجهة العرب بذلك.
9-وغيرها من المعاناة.
ومع هذا فقد كافأ الله تعالى زينب على صبرها بتزويجها من النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأي شرف أعظم من هذا الزواج، الذي كان متفرداً في إجراءاته وطريقته، ولهذا كانت تفاخر النساء بثلاث:
1-بأن جدها وجدّ النبي صلى الله عليه وسلم واحد.
2-وأن الله أنكحها للنبي صلى الله عليه وسلم.
3-وأن السفير كان جبريل.
دكتاتورية الأعراف والهنديات الثلاث
من الخطأ أن نلغي العادات والتقاليد للشعوب، ولكن الصواب أن نحاول تغيير العادات والتقاليد التي تخالف منهج الإسلام، أما وجود العادات والتقاليد في حياة الإنسان فهي رمز لهويته، والعادات كذلك مفيدة في الحفاظ على مرجعية الإنسان وثقافته، ولكن متى تكون العادة دكتاتورية؟
إنها تكون كذلك عندما يعمل بها الناس وإن كانت مخالفة للشريعة الإسلامية، ومن أمثلة ذلك في واقعنا المعاصر:
1-عدم النظر للمخطوبة.
2-حصر زواج بنت العم بابن عمها.
3-غلاء المهور.
4-عدم تزويج البنت الصغيرة قبل الكبيرة.
5-حرمان المرأة من الإرث.
وغير ذلك من العادات التي تخالف الإسلام وما زالت موجودة إلى اليوم، وإننا لا نريد أن نستدل من الشريعة بما يخالف كل عادة مما ذكرنا، ولكننا أحببنا أن نذكرها على سبيل المثال لا الحصر، حتى نعرف المعاناة التي عاناها النبي صلى الله عليه وسلم عندما أراد كسر عادة وتغييرها، فالأمر ليس بسهل ويحتاج إلى وقت وصبر، وقد ذكر د. مصطفى السباعي قوة العادة فقال: كم عظيم هزم الجيوش، وهزمته عادة سيئة.
وقال كذلك: أقسى أنواع الاستعمار: استعمار العادة للإنسان.
وأحببت أن أنقل لكم قصة ثلاث هنديات لنتعرف على مأساتهن بسبب العادات الاجتماعية التي تخالف الدين.
أقدمت ثلاث أخوات هنديات على الانتحار بتناول مبيد للحشرات، وقال ناطق باسم الشرطة في بومباي: إن والد المنتحرات أعلن أنه لم يتمكن من العثور على زوج لابنته الكبرى، ورفض السماح لابنتيه الآخريين بالزواج طالما لم تتزوج الأولى.
وأسماء الأخوات الثلاث: فيجا ياناتي ( 30 سنة) وشاكونتالا ( 25 سنة) ويامونا سوفارنا ( 20 سنة)، فهذه قصة من آلاف القصص التي ذهبت ضحيتها فتيات بسبب ( دكتاتورية الأعراف)، وأنا أعرف قصصاً كثيرة لفتيات وشباب مظلومين بالعادات التي تخالف الإسلام، ولعل من أبرزها عدم زواج الأصيل من غير الأصيل، وهي القصة التي ركز عليها حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا قال معروف الرصافي:
كل ابن آدم مقهور بعادات
لهن ينقاد في كل الإرادات
عوائد عمت الدنيا مصائبها
وإنما أنا في تلك المصيبات
إن العوائد كالأغلال تجمعنا
على قلوب لنا منهن أشتات
الحر من خرق العادات منتهجاً
نهج الصواب ولو ضد الجماعات
ومن إذا خذل الناس الحقيقة عن
جهل، أقام لها في الناس رايات
ولم يخفف في إتباع الحق لائمة
ولو أتته بحد المشرقيات
وعامل الناس بالإنصاف مدرعاً
ثوب الأخوة من نسج المساواة
فأغبي البرية أوفاهم لعادته
وأعقل الناس خراق لعادات
هل ستصبح عاداتنا غربية؟
هناك أربعة أنواع من العادات:
طبيعية – عقلية – اجتماعية – روحية.
فالكسل وإدمان التدخين من العادات الطبيعية، وأما القراءة وحب الجمال فمن العادات العقلية، وأما الزيارات فمن العادات الاجتماعية، وتزكية النفس والعبادات من العادات الروحية، وكلها يمكن اكتسابها وتنميتها في أنفسنا وكذلك يمكننا تغييرها، ولا شك في أن للبيئة أثراً على الإنسان في تربيته وتشكيل عاداته منذ الصغر، ومن لطائف ما سمعت عندما كنت أقدم برنامج البيوت السعيدة في شهر يناير عام 2001، وكانت الحلقة تحت عنوان حجاب الفتيات وفيها جمهور من الفتيات يتحدثن عن سبب حجابهن ولفت نظري ونحن نتحدث عن البيئة أنّ إحدى الفتيات قالت: إن البيئة في التعريف القديم كان يقصد منها المناخ الأسري، أما اليوم فبيئة الطفل ما يرى وما يسمع وما يتفاعل معه من خلال الإعلام والإنترنت والشارع، فأصبح العالم هو بيئته وليس لوالديه إلا تأثير بسيط جداً.
واستوقفتني هذه الكلمة وجلست أفكر بها لأن فيها وجهة نظر تستحق الوقوف عندها خاصة إذا علمنا أن الغرب يصدّر ثقافته، ونحن يتخلى بعضنا عن ثقافته وأصوله، والغرب يملك مع ذلك تكنولوجيا متطورة وثورة في الاتصالات مبهرة، كما يملك الموارد المالية والبشرية، وطبقاً لإحصائيات الأمم المتحدة فإن أكبر صناعة تصديرية في أميركا ليست الطائرات والأسلحة والسيارات، وإنما هي صناعة الترفيه فقد حصدت أفلام هوليود أكثر من 30 مليون دولار على نطاق العالم عام 1997، ثم إن شراء جهاز كمبيوتر واحد في بنجلاديش مثلاً يكلف العامل أجر ثماني سنوات، بينما يكلف المواطن الأميركي أجر شهر واحد، وإذا أدركنا أن 80% من المعلومات المتداولة في العالم الإسلامي غربية المصدر أو أميريكية في المقام الأول فإن تأثيرها لا شك كبير.
فالواقع الذي نعيشه ملوّن بألوان الغرب في كل شيء في الأمور الصناعية والاستهلاكية ونحن نستطيع أن نعتمد على أنفسنا ونطوّر ذواتنا، وأن نحرم الغرب من رواج بضاعتهم وكلنا يعرف موقف الشعوب العربية عند استشهاد الطفل محمد الدرة، فقد قاطع بعض أفراد الشعب المصري مطاعم الماكدونالدز، وكانت خسارته في شهر واحد ثمانية ملايين دولار، فإذن لدينا القوة لو وظفناها التوظيف الصحيح، فنحن أمة فيها كل مقومات القيادة ولكننا مصابون بما يسمى التكاسل العلمي، فقد خلف علماؤنا ما يقارب ثلاثة ملايين مخطوطة موجودة الآن في المكتبات العالمية وهذا ما حدثني به الشيخ شعيب الأرناؤوط المحقق المعروف، ولكننا كما ذكرت نعيش في جو التكاسل العلمي، إن اللغة العربية في هيئة الأمم تعتبر السادسة بينما هي على شبكة الإنترنت ترتيبها (22)، أليس ذلك مؤشراً على اعتمادنا على الغرب من الناحية العلمية.
إن الطب والهندسة وغيرها من العلوم ما زال في دولنا يدرس باللغة الأجنبية، وعدد الناطقين باللغة العربية ( 300 مليون) تقريباً، بينما في السويد أو بلجيكا وعدد سكانهما عدة ملايين يدرسون الطب والهندسة وغيرها بلغتهم.
ونقولها مرة أخرى: ما لم نتحرك، فستكون عاداتنا في المستقبل غربية أو أميركية!! فلابد من النهوض والحركة وهذا ما نتعلمه من درس زينب – رضي الله عنها-.
مجلة النور: العدد (226) فبراير 2004 ـ ص: 72
بنشر رائد طالب من الله المغفره