ماذا أقول؟ ما قولك هل الرئيس الأمريكي عندهم أهم أم صدام؟
اتهم كلينتون بأنه يقدم تسهيلات لتجارة المخدرات وأنه مرتبط بجرائم قتل بشكل مباشر كما في تحقيق (ستار) وبقي في مكانه. ولعلمهم بسفاهة وقذارة الشعب الأمريكي اختزلت القضية إلى فضيحة مونيكا وملحقاتها ثم انتهى الموضوع ولم يحدث شيء.
بوش ينجح بالتزوير الذي انكشف جزء منه للعالم أجمع في ولاية فلوريدا. حتى أن بعض الدول الصغيرة في أفريقيا أخذت تشمت في أمريكا وتصرح أنها تريد أن ترسل مراقبين للإنتخابات الأمريكية (على غرار ما تكرره أمريكا وتفعله مع دول العالم المستضعفة) ! ماذا كانت ردة الفعل؟ لم يحدث شيء!
فضيحة الاحتيال المالي وسرقة المليارات ثم إعلان الإفلاس في عدة شركات أهمها شركة (إنرون) التي لم يبق أحد تقريباً في الإدارة الأمريكية إلا واشترك فيها … ماذا كانت ردة الفعل؟ لم يحدث شيء!
علناً نهاراً جهاراً تعطى العقود النفطية لشركات بوش وتشيني وكأن أمريكا والعراق إقطاعية …. ولم يحدث شيء.
في بلد يقولون أن دستوره وربه وحياته ومماته هي "الحرية" تنشأ وزارة تحاكي وزارة الداخلية في الدول القمعية وبصلاحيات وقوانين الطوارئ التي منها التنصت دون إذن قضائي وكذلك الاعتقال لأجل غير مسمى لمجرد الإشتباه . أين مقدساتهم ماذا فعلوا لحمايتها؟ لا شيء.
قتل من العلوج الأمريكان الآلاف بالعراق وأفغانستان ثم هاهم يضعوهم في أكياس بلاستيكية ويرموهم في مقابر جماعية ثم يقولون لشعبهم عشرات القتلى فقط. أين أهلهم أين إعلامهم أين حقوقهم وشعاراتهم أين وأين ….
كل هذا ولم يحدث شيء.
شعوبهم كالأنعام بل أضل. يجعجعون كثيراً ربما ولكن في النهاية كل ما يهم الفرد الأمريكي هو شيئين فقط لا ثالث لهما وهما راتبه ثم ملذاته. وهو مستعد لعمل أي شيء مقابل أن لا يتأثر هذان الأمران.
بهذين الشيئين يشترون الشعب الأمريكي. من ذهب منكم لأمريكا يعلم تماماً أنه لا توجد حرية عندهم إلا في شيئين وهما الكلام والسفالة وما عدى ذلك فبلادنا فيها حرية أكثر منهم بكثير.
نحن في زمن عجيب غريب الأرض كلها مسحورة … الغباء والطمس سمة البشر في هذا العصر… و إلا فكيف لأمريكا أن تُعبد وتُعظم بعد أن أذلها ثلة قليلة من ضعاف أهل الأرض في أفغانستان. عورتها انكشفت أمام الجميع!
لقد عَقَلَ بعض العرب في الجاهلية أكثر مما يعقل كثير من سكان عصر الفضائيات والحاسوب. فهاهو الجاهلي مستلق في إحدى الأمسيات يتأمل محاسن الصنم الإله... وإذا بثعلب صغير يقفز هنا وهناك يبحث عن مكان يقضي به حاجته فلم يجد أنسب من الصنم ليبول عليه! فماذا فعل الأعرابي؟ لم يطارد الثعلب ولم يقدم أولاده وأهله وماله قرابين للإله واعتذاراً وترضية. لا! ولأنه لم يكن عنده فضائيات وإعلام ساحر! فكر وقدر ثم قال:
أإله يبول الثُعلبانُ برأسه ؟ لقد ذُلّ من بالت عليه الثعالب!هذا غيض من فيض. الموضوع يحتاج لبحوث وتوثيق ولكن هذا ما أسعفتني به ذاكرتي…
وبعد هذا تريد أن يهتز البيت الأبيض على افتراض انكشفت كذبة اعتقال صدام؟ هذا سخف!
ما هو مصير الأسير؟لا يعلم الغيب إلا الله. إن كان هناك أسير أصلاً فأتوقع (وقد أكون مخطئاً) إن الأسير وصل إلى مرحلة لا يمكن للأمريكان أن يقدموه للعامة. لأنهم سيضطرون لحقنة بالكثير من السموم والمخدرات قبل الظهور التي تؤثر على تصرفاته وأفعاله بحيث سيلاحظ أنه غير سوي. ولهذا فأنا متطلع بشغف لأرى كيف سيخرج هؤلاء العلوج من هذه الورطة. سيكون الأمر ممتعاً والله أعلم. وقد يكون تراجيدياً كأن يقتلوه لتنتهي القضية.
وأحب أن أضيف نقطة صغيرة من باب الإنصاف. وهي أن المعتقل وبلا شك من أقرب المقربين لصدام وهو بمثابة الصديق الحميم. وهذا الشخص والحق يقال هو أسد حقيقي. لقد مثل دور صدام في الأخطار ليحميه وهاهو يقع في الذي كان يحمي صدام منه. لا تعتقدوا لحظة أن هذا الشخص هو دمية أو أنه كان يؤدي وظيفة فقط. والله أعلم...
هل يمكن أن يكون صدام حسين قد قتل؟ نعم، هذا ممكن.
إلا أني أعتقد خلاف ذلك لأسباب أهمها هو أن وتيرة المقاومة لم تتغير منذ البداية وإن كان صدام قد قتل في فترة سابقة فلا بد أن يحدث تغيير ملحوظ في العراق بسبب المركزية الكبيرة. وكان من أهم المظاهر التي يفترض مشاهدتها في تلك الحالة هي سقوط القيادات كلها (بشكل حقيقي) وظهور المعدات العسكرية المخبأة (اللغز الحقيقي والأعجوبة الكبرى).
غير أن الناظر الواعي الذي يعرف أسرار وأصول الحرب الحقيقية وبخاصة حرب العصابات يستنتج وببساطة شديدة أن الأحداث تسير وفق خطة ممتازة جداً و بانتظام دقيق سواء من حيث مرحلة الاستدراج أو التصعيد. ولم نلحظ عدم اتزان سواء سلبي (تقهقر وفتور) أو ايجابي (تصرفات هوجاء انتقامية لمقتل أو أسر صدام أو ولديه) وهذا للعقال من المحللين يعد من المؤشرات القوية ليس فقط على بقاء القيادة بل أيضاَ على قوتها وسيطرتها.
فلوا أن صدام قتل أو أسر حقيقة لما رضي الأمريكان بأقل من عرض الأسير في حلبة "ميديسان سكوير جاردن" في نيويورك أمام مئات الآلاف وأن يعدوا برنامجا حافلاً جداً ربما يصل إلى حد وضعه في قطار الحملة الإنتخابية لمرافقة بوش! أما أن يعلن عنه بمثل هذه الطريقة التي تعد خجولة جداً ولا يمكن أن تتمشى بحال من الأحوال مع الحقد ولا أيضاً مع حاجة الإدارة الأمريكية الماسة لمثل تلك الأعمال البهلوانية التي لا يتقنون شيء مثلها. والكابح الوحيد الممكن هو والله أعلم الخوف من ظهور صدام حسين. فالذي حصل حتى الآن أقل من أن يذكر ولا يعدوا أكثر من تصرف صبياني.
لماذا هذه الكذبة الآن؟سؤال مهم!
قيل أن هناك نية للانسحاب من العراق بقولهم أنهم حققوا ما جاؤوا من أجله أو على الأقل الانسحاب إلى قواعد في الصحراء؟ ولكن والله أعلم مازال الأمر مبكراً ومتعذراً الآن.
ولكن قد يساعدنا في الإجابة أن نسأل وهل يمكن أن يكون غير الآن؟
قلنا أعلاه أنه لو كان الأسير هو صدام لما عقل أن يفرط به بوش الآن و لادخره واستثمره في الانتخابات القادمة. بل والحق يقال أنهم لم يستغلوه حتى الآن كما ينبغي، وكأنهم نادمون على إعلانهم هذا!
ولنا في قضية (سمسون) اللاعب الشهير الذي قتل زوجته عبرة. وكيف يمكن أن تتحول محاكمة جريمة قتل تافهة لموضوع يشغل الرأي الأمريكي بل العالمي لسنة كاملة ويزيد. وكيف كانت رغم تفاهتها محاكمة العصر! أتراهم عجزوا الآن أن يصنعوا من اعتقال صدام حسين موضوع يشغل العالم أو على الأقل يعطوه حقه فقط؟
في الحقيقة إن الإعلان عن أسر صدام كله مضار للحكومة الأمريكية على المدى الطويل وهم يدركون ذلك جيداً الآن... ولكن كما يقال "ما باليد حيلة".
إن الأسير أو الشبيه كان في قبضة الأمريكان والله أعلم منذ أشهر كما يبدوا من لحيته. ولم يستطيعوا أن يتخذوا قراراً ما يصنعوا به. فهم بين نار تركه دون استغلال ونار الخوف من الفضيحة إذا هم استغلوه بشكل كبير واستراتيجي. ويبدوا أن الأمر بقي هكذا بين سيلان اللعاب والخوف من المطرقة والسندان إلى أن ترنحت بهم الأفكار بعد أحداث رمضان المبارك (نوفمبر) حيث فقدوا جل معنوياتهم في الميدان. وبدى لهم أن استخدامه في رفع المعنويات أمر مناسباً ومعقولاً الآن. وبخاصة أن تأخير إظهاره قد يكون خطيراً لإقتراب موعد الانتخابات خوفاً من حدوث مفاجآت غير سارة أثناء الانتخابات (ظهور صدام حسين).
والخيار الآخر هو ترك وضياع هذه الورقة بالكلية وتركها لإدارة جديدة في حال ما إذا رحل بوش؟ وهو طبعاً ليس بهذا الكرم. " فإذا ما مت ظمآناً فلا نزل القطر!"
ألا يوجد فائدة من الإعلام إذن؟